احتکار السوق المحلي- سیطرة الوافدین و غیاب المواطنین

المؤلف: عبده خال09.22.2025
احتکار السوق المحلي- سیطرة الوافدین و غیاب المواطنین

من حين لآخر، تتجه الأنظار بشغف نحو السوق المحلي، في محاولة جادة لاستيعاب المستجدات. لكن في كل مرة، يتردد صدى اتهام السوق بالاختطاف، على الرغم من القرارات والإجراءات المتخذة. هذا اليقين بالسيطرة الأجنبية ما زال يخيم على الأجواء. لقد سبق لي أن كتبت مقالًا حول هذا الموضوع، مستهلًا بسؤال جوهري: هل تعكس الأسواق طبيعة حياة مجتمعاتها؟

قد يكون هذا السؤال وجيهًا عندما يكون التجار من صلب المجتمع نفسه. ولكن إذا كان السوق بمثابة بحر عميق أو محيط شاسع، فإن الإجابة تعتمد على أنواع الكائنات البحرية المتواجدة، وعلى من يمارس الصيد ومن يقع فريسة له. نسمع أن سوقنا المحلي مُستَحوذ عليه من قِبل جماعات نفوذ متعددة الجنسيات. يُقال إن سوق الأسماك تحت سيطرة جالية معينة (س)، وسوق الخضار يتبع لجالية أخرى (ص)، وإدارة البقالات حكر على جالية (ع)، وسوق الملابس النسائية تهيمن عليه جالية (و)، وورش السيارات تديرها جالية (د)، وسوق مواد البناء متخصص لجالية (م)، وسوق مواد الكهرباء حق مكتسب لجالية (ي)، وسوق غسيل السيارات من ممتلكات جالية (ق)، وغير ذلك الكثير. يكاد لا يوجد نشاط تجاري يمكن أن يُنسب إلى السعوديين بشكل حصري.

إن الحروف الأبجدية تعجز عن استيعاب كافة التخصصات التي تحتكرها الجاليات داخل هذا السوق. إنه سوق هائل حقًا، ولكنه مُوزَّع توزيعًا عُرفيًا بين هذه الجاليات، وسط علم المواطنين بهذا التقسيم وقناعتهم الراسخة بأنه لا يمكن لأي شخص اختراق هذه التخصصات إلا بالتحالف مع المسيطرين أو الحصول على إذن منهم. يجب على الراغب في دخول أي مجال دفع الجزية لرئيس جماعة النفوذ المسيطرة على كل التفاصيل، بحيث لا يترك مجالًا لأي فرصة عارضة قد تهدد إمبراطوريته التجارية.

فهل يُعقل هذا التقسيم والاستيلاء على سوق يعتبر كنزاً ثميناً؟ إذا كنت غير مصدقًا لهذه التقسيمات، فحاول أن تشجع أي شاب من شبابنا الذين يطرقون أبواب الدوائر والشركات بحثًا عن وظيفة. قم بتحفيزه على الدخول إلى السوق وتحقيق مكاسب مضاعفة تغنيه عن الدخل المحدود للوظيفة. لكن هذا التحفيز سينتهي سريعًا عند ذوي الخبرة من الشباب، حيث سيسرد لك الشاب تفاصيل السيطرة والمحاربة التي يتعرض لها أي عنصر وطني يعتزم الدخول إلى ذلك السوق. بل سيؤكد البعض أن الجالية المسيطرة، إذا لم تستطع مضايقتك، فإنها ستعمل جاهدة على تكبيدك خسائر متتالية. وإذا لم تستطع إلحاق الخسائر بك، فإنها ستتبع معك أسلوبًا مختلفًا، وهو إعطائك مبلغًا مقطوعًا مقابل مغادرة موقعك دون عمل!.

إن المواقع المباعة داخل السوق متعددة ومختلفة، ويحددها وضع كل جالية واحتياجاتها. ونظرًا لأن المكاسب وفيرة، فقد لا تصدق أن مواقع التسول تباع أيضًا (وهذا ليس تقليدًا للأفلام العربية التي جسدت مثل هذه الحالات سابقًا، بل أصبح واقعًا حقيقيًا نعيشه دون أن ننتبه إليه). لقد بلغني أن صفقات تحدث مع عمال النظافة (وحين أقول صفقات، فذلك لتعدد وتنوع المستفيدين رغم ضآلة المكاسب من وجهة نظرنا). فعامل النظافة، على سبيل المثال، يعقد صفقة مع مشرفه (من نفس الجالية) ليكون موقعه أمام إشارة المرور، ويدفع مقابل هذا الموقع مبلغًا شهريًا للمشرف المباشر. فموقع عامل النظافة بجوار الإشارة يعتبر موقعًا مميزًا يدر الأموال من خلال الاستجداء والتسول، وليتسخ الشارع كما يشاء... ولأننا نشتكي بمرارة من تراكم القمامة ونسخر من العقود التي توقعها الأمانة بالمليارات، فإن الأمر عند الأمانة ينتهي عند التوقيع دون متابعة التنفيذ، ممثلًا في العامل المكلف بحمل القمامة. وهي الحلقة التي تضيع عندها المليارات ويضيع صراخنا لكي يرحمونا من القمامة المتراكمة. فعند عامل النظافة تنتهي كل الآمال في إيجاد مدينة نظيفة، لأن الفساد وصل إلى القاع، ممثلًا في عامل النظافة الذي وجد في التسيب وغياب الرقابة فرصة سانحة لتحسين دخله المتواضع إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر، وذلك من خلال فرز القمامة (حديد، نحاس، قوارير مياه ومشروبات غازية، كراتين) وبيع كل وحدة بمبلغ يوميًا. والبيع لا يحتاج إلى تنقلات ومشاوير، فالمشتري يدور بسيارته وميزانه ويأخذ من عامل النظافة ما يعرضه ويدفع له في الموقع. وهكذا أصبح عامل النظافة منشغلًا عن وظيفته بما يحسن من دخله، وهذا حقه تمامًا، لأن السوق سوق حيتان يعلمك ميزة التدبر و(التحايل والاقتناص). ولأننا تعودنا على التحايل والاقتناص، لم نعد نحس بأي شيء، فالأهم لدينا أن نصرخ حتى فقدنا أصواتنا، وإذا صرخنا لا تخرج أصواتنا.

والآن، وبعد كل الإجراءات لفتح أو توطين تلك المهن للشباب السعودي، لا يزال الوضع على ما هو عليه. فأين يكمن الخلل العميق؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة